الصحراء الغربية: هل ينجح الدعم الأمريكي في كسر جمود المفاوضات؟

في تأكيد جديد على السياسة الأمريكية تجاه نزاع الصحراء الغربية، أعلنت إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، عبر تصريحات رسمية صادرة عن وزارة الخارجية، أن المحادثات الهادفة إلى إيجاد حل لهذا النزاع الطويل الأمد يجب أن تنطلق حصريًا من أساس الخطة التي تقدم بها المغرب. هذه الخطة تقترح منح منطقة الصحراء الغربية حكمًا ذاتيًا واسعًا تحت السيادة المغربية الكاملة. هذا الموقف، الذي تم التأكيد عليه خلال اجتماع بين وزير الخارجية الأمريكي ونظيره المغربي، يجدد الدعم القوي الذي قدمته إدارة ترامب للمغرب في عام 2020 بالاعتراف بسيادته على هذه المنطقة المتنازع عليها.
المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية، تامي بروس، أوضحت في بيان لها أن الوزير ماركو روبيو أكد خلال لقائه مع وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة في واشنطن على أن قرار الرئيس ترامب التاريخي في عام 2020 بالاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء الغربية لا يزال يمثل السياسة الرسمية للولايات المتحدة في هذا الملف. وأضافت بروس أن الوزير روبيو جدد دعوة الرئيس ترامب لجميع الأطراف المعنية بالانخراط الفوري في مناقشات جادة وبدون أي تأخير، مع التأكيد على أن مقترح الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب يشكل “الإطار الوحيد للتفاوض على حل مقبول للطرفين”.
يُعد نزاع الصحراء الغربية من أقدم وأكثر النزاعات استعصاءً في منطقة شمال أفريقيا، حيث يعود تاريخه إلى عام 1975، وذلك بعد انسحاب الاستعمار الإسباني من المنطقة. ومنذ ذلك الحين، يدور صراع مرير بين المملكة المغربية، التي تعتبر الصحراء الغربية جزءًا لا يتجزأ من أراضيها، وجبهة البوليساريو، وهي حركة مدعومة من الجزائر تسعى إلى إقامة دولة مستقلة في المنطقة تحت مسمى الجمهورية الصحراوية. وعلى الرغم من جهود الأمم المتحدة والمبادرات الدولية المختلفة، ظل النزاع في حالة جمود لفترة طويلة دون تحقيق أي تقدم ملموس نحو حل نهائي.
وفي هذا السياق، أكدت المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية أن الوزير روبيو أشار إلى أن المقترح الذي قدمه المغرب لأول مرة في عام 2007 يتمتع بمصداقية وجدية وواقعية، وأنه يمثل “الأساس الوحيد لحل عادل ودائم لهذا النزاع المستمر”. وأضافت أن “الولايات المتحدة لا تزال تعتقد بقوة أن الحكم الذاتي الحقيقي تحت السيادة المغربية هو الحل الوحيد الممكن لهذا الملف المعقد”. هذا التصريح يعكس استمرار تبني الإدارة الأمريكية لوجهة النظر المغربية ورفضها لخيار الاستقلال الذي تطالب به جبهة البوليساريو.
جمود الصراع وتاريخ طويل من الخلافات:
يعود تاريخ نزاع الصحراء الغربية إلى منتصف السبعينيات من القرن الماضي، عندما انسحبت إسبانيا من المنطقة التي كانت تحت سيطرتها. عقب الانسحاب، نشب صراع مسلح بين المغرب وجبهة البوليساريو. ترى الرباط أن الصحراء الغربية جزء تاريخي وسيادي من أراضيها، بينما تسعى جبهة البوليساريو، بدعم من الجزائر، إلى إقامة دولة مستقلة في الإقليم. وقد شهدت المنطقة سنوات من النزاع المسلح قبل التوصل إلى وقف إطلاق النار في عام 1991 بوساطة الأمم المتحدة.
ورغم وقف إطلاق النار، لم يتم التوصل إلى حل سياسي دائم للنزاع. وقد طرح المغرب في عام 2007 مبادرة للحكم الذاتي تمنح الصحراء الغربية سلطات واسعة في إدارة شؤونها الداخلية تحت السيادة المغربية. وقد حظي هذا المقترح بدعم دولي متزايد باعتباره حلاً واقعيًا وقابلاً للتطبيق. في المقابل، تصر جبهة البوليساريو على إجراء استفتاء لتقرير المصير، وهو ما يرفضه المغرب بشدة.
موقف إدارة ترامب.. تحول تاريخي في السياسة الأمريكية:
في ديسمبر 2020، أحدثت إدارة الرئيس الأمريكي آنذاك دونالد ترامب تحولًا تاريخيًا في السياسة الأمريكية تجاه نزاع الصحراء الغربية، حيث أعلنت اعترافها بسيادة المغرب على الإقليم. وقد جاء هذا الإعلان بالتزامن مع إعلان المغرب تطبيع علاقاته مع إسرائيل بوساطة أمريكية. وقد أثار هذا القرار ردود فعل متباينة على الصعيد الدولي، حيث رحبت به الرباط واعتبرته خطوة تاريخية، بينما أعربت دول أخرى ومنظمات دولية عن قلقها بشأن تأثير هذا القرار على جهود السلام في المنطقة.
اليوم، ومع تأكيد وزارة الخارجية الأمريكية على أن هذا الموقف لا يزال يمثل السياسة الأمريكية، فإن إدارة ترامب تواصل تبني وجهة النظر المغربية بشكل واضح وصريح. وهذا الدعم القوي من واشنطن يعزز موقف المغرب في أي مفاوضات مستقبلية ويزيد من الضغط على الأطراف الأخرى للانخراط في مناقشات جدية بناءً على مقترح الحكم الذاتي.
مقترح الحكم الذاتي المغربي.. “الأساس الوحيد” للحل:
تصف الولايات المتحدة مقترح الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب في عام 2007 بأنه “جدي وموثوق وواقعي” و”الأساس الوحيد لحل عادل ودائم للنزاع”. يوفر هذا المقترح لسكان الصحراء الغربية سلطات واسعة في إدارة شؤونهم المحلية، بما في ذلك الشؤون الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، مع بقاء السيادة على المنطقة في يد المغرب.
ترى الولايات المتحدة أن هذا المقترح يمثل حلاً وسطًا يمكن أن يحقق تطلعات سكان المنطقة مع الحفاظ على وحدة التراب المغربي واستقراره. كما أنه يتوافق مع قرارات مجلس الأمن الدولي التي دعت الأطراف إلى التوصل إلى حل سياسي واقعي وعملي ودائم للنزاع.
دعوة للمفاوضات.. وجمود مستمر:
على الرغم من الدعم الأمريكي القوي لمقترح المغرب، لا يزال النزاع يشهد جمودًا ملحوظًا. فجبهة البوليساريو، بدعم من الجزائر، ترفض مقترح الحكم الذاتي وتصر على إجراء استفتاء لتقرير المصير. وفي ظل هذا الانسداد السياسي، لا تزال المنطقة تشهد توترات بين الأطراف المتنازعة.
إن تجديد الولايات المتحدة لدعوتها للأطراف للانخراط في مناقشات دون تأخير، باستخدام مقترح الحكم الذاتي المغربي كإطار وحيد للتفاوض، يمثل محاولة لكسر هذا الجمود ودفع العملية السياسية إلى الأمام. ومع ذلك، يبقى التحدي الأكبر هو إقناع جبهة البوليساريو والجزائر بالجلوس إلى طاولة المفاوضات على هذا الأساس.
الأسئلة الشائعة:
- ما هو موقف إدارة ترامب من نزاع الصحراء الغربية؟ تدعم سيادة المغرب على الصحراء الغربية وتعتبر مقترح الحكم الذاتي المغربي الإطار الوحيد للتفاوض.
- متى اعترفت الولايات المتحدة بسيادة المغرب على الصحراء الغربية؟ في عام 2020 في عهد الرئيس دونالد ترامب.
- ما هو مقترح الحكم الذاتي المغربي؟ خطة تمنح الصحراء الغربية حكمًا ذاتيًا واسعًا تحت السيادة المغربية.
- من هي جبهة البوليساريو؟ حركة مدعومة من الجزائر تسعى إلى إقامة دولة مستقلة في الصحراء الغربية.
- ما هو موقف الأمم المتحدة من نزاع الصحراء الغربية؟ تدعو إلى حل سياسي واقعي وعملي ودائم للنزاع وتشرف على بعثة مينورسو في المنطقة.
ختاماً:
إن تجديد إدارة ترامب لدعمها لمقترح الحكم الذاتي المغربي بشأن الصحراء الغربية يعكس استمرار تبني واشنطن لرؤية ترى في هذا المقترح الحل الأكثر واقعية وقابلية للتطبيق لإنهاء هذا النزاع الذي طال أمده. ومع ذلك، يبقى تحقيق تقدم ملموس نحو حل نهائي مرهونًا بمدى استعداد جميع الأطراف المعنية للانخراط في مفاوضات جادة وبناءة، وتجاوز مواقفها المتصلبة من أجل تحقيق الاستقرار والازدهار في المنطقة. إن التاريخ الطويل للنزاع يشير إلى تعقيداته، لكن الدعم الدولي المتزايد لمقترح الحكم الذاتي قد يمثل نقطة تحول نحو مستقبل أفضل لسكان الصحراء الغربية.