حزب الله يلوح بورقة السلاح: هل هي بداية تحول في المشهد اللبناني؟

في تطور لافت يحمل في طياته إشارات متعددة إلى التحولات الإقليمية والداخلية المتسارعة، أعلن مسؤول كبير في حزب الله عن استعداد الجماعة لمناقشة مستقبل ترسانتها العسكرية مع الرئيس اللبناني ميشال عون، لكن ذلك جاء مشروطًا بتحقيق تقدم ملموس على صعيد العلاقة مع إسرائيل، وتحديدًا الانسحاب الكامل لقواتها من المناطق المتنازع عليها في جنوب لبنان والتوقف عن شن غاراتها المتكررة على الأراضي اللبنانية. هذا الإعلان، الذي نقلته وكالة “رويترز”، يمثل تحولًا ملحوظًا في موقف الحزب الذي طالما رفض بشدة أي نقاش علني حول سلاحه، معتبرًا إياه ضروريًا للدفاع عن البلاد في مواجهة التهديدات الإسرائيلية.
يأتي هذا الطرح في ظل سياق لبناني وإقليمي بالغ التعقيد. فداخليًا، تشير تقارير إلى أن الرئيس عون، المدعوم من الولايات المتحدة، يعتزم بالفعل فتح قنوات حوار مع حزب الله بشأن هذه القضية الحساسة، وهو ما يتسق مع تعهده عند تسلمه السلطة بجعل حمل السلاح حكرًا على الدولة اللبنانية. هذا التوجه يعكس رغبة متزايدة داخل لبنان في إعادة بناء سلطة الدولة وتعزيز مؤسساتها الأمنية، خاصة بعد سنوات من الانقسام السياسي وتصاعد نفوذ الجماعات المسلحة غير الحكومية.
إقليميًا، اكتسب الحديث عن نزع سلاح حزب الله زخمًا إضافيًا بعد التغيرات الكبيرة في موازين القوى التي شهدتها المنطقة، وعلى رأسها تداعيات حرب العام الماضي مع إسرائيل، بالإضافة إلى التطورات المتلاحقة في سوريا وتراجع نفوذ حليف حزب الله، الرئيس بشار الأسد. هذه المتغيرات ربما دفعت الحزب إلى إعادة تقييم مواقفه والنظر في خيارات جديدة للحفاظ على دوره ونفوذه في المشهد السياسي اللبناني والإقليمي.
المسؤول الكبير في حزب الله أوضح أن الجماعة منفتحة على مناقشة مسألة سلاحها في إطار شامل لاستراتيجية دفاع وطني متفق عليها، لكنه ربط ذلك بشكل مباشر بانسحاب إسرائيل من خمس قمم تلال محددة في جنوب لبنان، والتوقف التام عن قصفها للأراضي اللبنانية. هذا الشرط يبرز استمرار نظرة الحزب إلى سلاحه كأداة ردع أساسية في مواجهة التهديدات الإسرائيلية، ويؤكد على أن أي نقاش حول هذا السلاح لا يمكن فصله عن سياق الصراع العربي الإسرائيلي وتداعياته على لبنان.
في المقابل، لم يصدر أي تعليق رسمي من إسرائيل حتى الآن على هذا الطرح، علمًا بأنها كانت قد أرسلت قوات برية إلى جنوب لبنان خلال حرب العام الماضي قبل أن تنسحب لاحقًا، لكنها أبقت على سيطرتها على بعض المواقع الجبلية. وقد صرحت إسرائيل بأن هدفها النهائي هو تسليم هذه المواقع إلى الجيش اللبناني بمجرد التأكد من استقرار الوضع الأمني في المنطقة.
ضغوط متزايدة على حزب الله.. من الداخل والخارج:
يواجه حزب الله ضغوطًا متزايدة من أطراف داخلية وخارجية تدعو إلى نزع سلاحه ودمجه في مؤسسات الدولة اللبنانية. فإلى جانب مطالب الرئيس عون، يرى منتقدون للحزب في الداخل أن امتلاكه لسلاح مستقل يقوض سلطة الدولة ويجر لبنان إلى صراعات إقليمية لا مصلحة له فيها، كما تجلى في حرب 2008 الداخلية القصيرة التي اندلعت بسبب الخلافات العميقة حول ترسانة الحزب.
على الصعيد الخارجي، تواصل إسرائيل ممارسة الضغط على حزب الله من خلال شن غارات جوية متكررة على الرغم من اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه في نوفمبر الماضي. كما تشدد الولايات المتحدة على ضرورة تخلي حزب الله عن سلاحه، وتؤكد استعدادها لإجراء محادثات نووية مع إيران، الحليف الإقليمي الرئيسي لحزب الله.
وفي سياق إقليمي أوسع، أشارت تقارير إلى أن جماعات مسلحة أخرى مدعومة من إيران في العراق تستعد للتخلي عن أسلحتها لأول مرة لتجنب خطر تصعيد الصراع مع الإدارة الأمريكية، وهو ما قد يضع مزيدًا من الضغط على حزب الله للنظر في خيارات مماثلة.
مواقف متباينة.. وحوار مرتقب:
تتعدد الأصوات داخل لبنان بشأن مستقبل سلاح حزب الله. فبينما يرى الحزب أن سلاحه ضروري للدفاع عن البلاد في ظل استمرار التهديدات الإسرائيلية وعدم قدرة الجيش اللبناني بمفرده على مواجهة هذه التحديات، يدعو خصومه إلى ضرورة حصر السلاح بيد الدولة لضمان سيادة القانون وتعزيز الاستقرار الداخلي.
البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي كان من بين الأصوات التي دعت مؤخرًا إلى ضرورة حصر السلاح بيد الدولة، لكنه أشار إلى أن تحقيق ذلك يتطلب وقتًا ودبلوماسية وحوارًا، محذرًا من أن لبنان لا يحتمل حربًا جديدة.
في المقابل، أكد مصدر رسمي لبناني أن الرئيس عون يسعى لتطبيق مبدأ حصرية السلاح الذي تحدث عنه في خطاب القسم، وذلك من خلال فتح قنوات تواصل مع الأطراف المعنية، وعلى رأسها حزب الله، لدراسة إمكانية تسليم السلاح بعد بسط سلطة الدولة على كامل الأراضي اللبنانية. وأشار المصدر إلى أن هذا الموضوع يتم تناوله أيضًا مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي يلعب دورًا محوريًا في تقريب وجهات النظر وتسهيل الحوار.
من جانبها، جددت المبعوثة الأمريكية مورغان أورتاغوس خلال زيارتها الأخيرة إلى بيروت موقف واشنطن الثابت بضرورة نزع سلاح حزب الله والجماعات المسلحة الأخرى في أقرب وقت ممكن، مؤكدة على أن الجيش اللبناني يجب أن يضطلع بهذه المهمة.
أما على الجانب الآخر، فقد أكد الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم في تصريحات سابقة أن الجماعة لم يعد لها وجود مسلح جنوب نهر الليطاني، وأنها ملتزمة باتفاق وقف إطلاق النار. ومع ذلك، تتهم إسرائيل الحزب بالاحتفاظ ببنية تحتية عسكرية في الجنوب. في المقابل، يحمّل حزب الله الدولة اللبنانية مسؤولية إجبار إسرائيل على الانسحاب الكامل ووقف قصفها.
هل يلوح في الأفق حل دبلوماسي؟
في ظل هذه المواقف المتباينة والضغوط المتزايدة، يبقى السؤال معلقًا حول إمكانية التوصل إلى حل دبلوماسي بشأن قضية سلاح حزب الله. إن استعداد الحزب لمناقشة هذه القضية، وإن كان مشروطًا، يمثل خطوة أولى قد تفتح الباب أمام حوار جاد ربما يفضي إلى تفاهمات مستقبلية.
توقيت هذا الإعلان يبدو مرتبطًا بالتحولات الإقليمية والداخلية، مما يشير إلى أن الحزب يدرك ضرورة التكيف مع هذه المتغيرات. يبقى أن نرى ما إذا كانت الأطراف الأخرى المعنية، خاصة إسرائيل والولايات المتحدة والقوى السياسية اللبنانية الأخرى، مستعدة للانخراط في هذا الحوار بجدية وتقديم تنازلات من أجل تحقيق استقرار دائم في لبنان والمنطقة.
الأسئلة الشائعة:
- ما هو شرط حزب الله لمناقشة سلاحه؟ انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان وتوقفها عن ضرباتها.
- ما هو موقف الرئيس اللبناني جوزيف عون من سلاح حزب الله؟ يؤيد حصر السلاح بيد الدولة ويعتزم بدء محادثات مع الحزب حول هذا الأمر.
- ما هي أبرز الضغوط التي تواجه حزب الله بشأن سلاحه؟ مطالب داخلية بنزع السلاح، ضغوط إسرائيلية مستمرة، وموقف الولايات المتحدة الداعي إلى تخلي الحزب عن سلاحه.
- ما هو موقف حزب الله من اتفاق وقف إطلاق النار في جنوب لبنان؟ يؤكد التزامه بالاتفاق وينفي وجود مسلح له جنوب نهر الليطاني.
- ما هي أبرز العقبات أمام حل قضية سلاح حزب الله؟ الخلافات العميقة بين الأطراف اللبنانية، استمرار التوتر مع إسرائيل، والمصالح الإقليمية المتضاربة.
ختاماً:
إن إعلان حزب الله عن استعداده لمناقشة مستقبل سلاحه يمثل تطورًا مهمًا في ملف شائك ومعقد طالما أثار الجدل والقلق في لبنان والمنطقة. وبينما تظل الشروط التي وضعها الحزب تعكس تمسكه بدوره في مواجهة التهديدات الإسرائيلية، فإن مجرد فتح باب الحوار يمكن أن يكون بداية لعملية تفاوض طويلة وصعبة تهدف إلى تحقيق توازن بين متطلبات الأمن الوطني وسيادة الدولة. يبقى الأمل معلقًا على قدرة الأطراف المعنية على تجاوز الخلافات والانخراط في حوار بناء يفضي إلى حلول مستدامة تخدم استقرار لبنان والمنطقة على المدى الطويل.